فصل: ذكر خلع الأمين والمبايعة للمأمون وعود الأمين إلى الخلاف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر الفضل بن سهل

في هذه السنة خطب للمأمون بإمرة المؤمنين ورفع منزلة الفضل بن سهل‏.‏

وسبب ذلك أنه لما أتاه خبر قتل ابن ماهان وعبد الرحمن بن جبلة وصح عنده الخبر بذلك أمر أن يخطب له ويخاطب بأمير المؤمنين ودعا الفضل بن سهل وعقد له على المشرق من جبل همذان إلى التبت طولا ومن بحر فارس إلى بحر الديلم وجرجان عرضا وجعل له عمالة ثلاثة آلاف درهم وعقد له لواء على سنان ذي شعبتين ولقبه ذا الرياستين رياسة الحرب والقلم وحمل اللواء علي بن هشام وحمل القلم نعيم بن حازم وولي الحسن بن سهل ديوان الخراج‏.‏

  ذكر عبد الملك بن صالح بن علي وموته

قد ذكرنا قبض الرشيد على عبد الملك بن صالح وحبسه إياه فلم يزل محبوسًا حتى مات

الرشيد فأخرجه الأمين من الحبس في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة وأحسن إليه فشكر عبد الملك ذلك له‏.‏

فلما كان من طاهر ما كان دخل عبد الملك على الأمين فال له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أرى الناس قد طمعوا فيك وجندك قد أعيتهم الهوام وأضعفتهم الحروب وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم فإن سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم وأهل الشام قوم قد ضرستهم الحرب وأدبتهم الشدائد وكلهم منقاد إلي متنازع إلى طاعتي وإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندًا يعظم نكايتهم في عدوه فولاه الأمين الشام والجزيرة وقواه بمال ورجال وسيره سيرًا حثيثًا‏.‏

فسار حتى نزل الرقة وكاتب رؤساء أهل الشام وأهل القوة والجلد والبأس فأتوه رئيسًا بعد رئيس وجماعة بعد جماعة فأكرمهم ومناهم وخلع عليهم وكثر جمعه فمرض واشتد مرضه‏.‏

ثم إن بعض جنود خراسان المقيمين في عسكر الشام رأى دابة كانت أخذت منه في وقعة سليمان بن أبي جعفر تحت بعض الزواقيل من أهل الشام أيضا فتعلق بها واجتمع جماعة من الزواقيل والجند فتضاربوا واجتمعت الأبناء وتألبوا وأتوا الزواقيل وهوغارون فوضعوا فيهم وبلغ ذلك عبد الملك فوجه إليهم يأمرهم بالكف لم يفعلوا واقتتلوا يومهم ذلك قتالًا شديدا وأكثرت الأبناء القتل في الزواقيل فأخبر عبد الملك بذلك وكان مريضًا مدنفا فضرب بيده على يد وقال‏:‏ واذلاه‏!‏ تستضام العرب في دورها وبالدها‏!‏ فغضب من كان أمسك عن الشر من الأبناء وتفاقم الأمر وقام بأمر الأبناء الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان وأصبح الزواقيل فاجتمعوا بالرقة واجتمع الأبناء وأهل خراسان بالرافقة وقام رجل من أهل حمص فقال‏:‏ يا أهل حمص‏!‏ أهون من العطف والموت أهون من الذل إنكم قد بعدتم عن بلادكم ترجون الكثرة بعد القلة والعزة بعد الذلة الا في الشر وقعتم وفي حومة الموت أنختم إن المنايا في شوارب المسودة وقلانسهم النفير النفير قبل أن ينقطع السبيل وينزل لاأمر الجليل ويفوت المطلب ويعسر المهرب‏.‏

وقام رجل من كلب في غرز ناقته فقال نحوًا من ذلك ثم قال‏:‏ ألا وإني سائر فمت أراد الانصراف فلينصرف معي‏!‏ ثم سار فسار معه عامة أهل الشام وأخرقت الزواقيل ما كان التجار قد جمعوه من الأعلاف وأقبل نصر بن شبث العثيلي ثم حمل وأصحابه فقاتل قتالًا شديدا وصبر الجند لهم وكان أكثر القتل في الزواقيل لكثير بن قادرة وأبي الفيل وداود بن موسى بن عيسى الخراساني وانهزمت الزواقيل وكان على حاميتهم يومئذ نصر بن شبث

وعمروبن عبد العزيز السلمي والعباس بن زفر الكلابي ثم توفي عبد الملك بن صالح بالرقة في هذه السنة‏.‏

  ذكر خلع الأمين والمبايعة للمأمون وعود الأمين إلى الخلاف

فلما مات عبد الملك بن صالح نادى الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان في الجند فجعل الرجالة في السفن وسار الفرسان على الظهر في رجب فلما قدم بغداد لقيه القواد وأهل بغداد وعملت له القباب ودخل منزله فلما كان جوف الليل بعث إليه الأمين يأمره بالركوب إليه فقال للرسول‏:‏ ما أنا بمغن ولا مسامر ولا مضحك ولا وليت له عملًا ولا مالا فلأي شيء يريدني هذه الساعة‏.‏

انصرف فإءذا أصبحت غدوت إليه إن شاء الله‏.‏

وأصبح الحسين فوافى باب الجسر واجتمع الناس فقال‏:‏ ب معشر الأبناء‏!‏ إن خلافة الله لا تجاوز بالبطر ونعمته لا تستصحب بالتجبر وإن محمداص يريد أن يوقع أديانكم وينقل عزكم إلى غيركم وهوصاحب الزواقيل وبالله إن طالت به مدة ليرجعن وبال ذلك عليكم فاقطعوا أثره قبل أن يقطع آثاركم وضعوا عزه قبل أن يضع عزكم فوالله لا ينصره ناصر منكم إلا خذلب

ثم أمر الناس بعبور الجسر فعبروا وصاروا إلى سكة باب خراسان وتسرعن خيول الأمين إلى الحسين فقاتلوه قتالًا شديدا فانهزم أصحاب الأمين وتفرقوا فخلع الحسين الأمين يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب وأخذ البيعة للمأمون من الغد يوم الاثنين‏.‏

فلما كان يوم الثلاثاء وثب العباس بن موسى بن عيسى بن بالأمين فأخرجه من قصر الخلد وحبسه بقصر المنصور وأخرج أمه زبيدة أيضا فجعلها مع ابنها فلما كان يوم الأربعاء طالب الناس الحسين بالأرزاق وماجوا بعضهم في بعض فقام محمد بن خالد بباب الشام فقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ والله ما أدري بأي سبب يأمر الحسين بن علي علينا ويتولى هذا الأمر دوننا ما هو بأكبرنا سنا وما هو بأكبرنا حسبا ولا بأعظمنا منزلة وغنى وإني أولكم أنقض عهده وأظهر الإنكار لفعله فمن كان على رأيي فليعتزل معي‏.‏

وقال أسد الحربي‏:‏ يا معشر الحربية‏!‏ هذا يوم له ما بعده إنكم قد منتم فطال نومكم وتأخرتم فتقدم عليكم غيركم وقد ذهب أقوام بخلع الأمين فاذهبوا أنتم بذكرفكه وإطلاقه‏.‏

وأقبل شيخ على فرس فقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ هل تعتدون على محمد بقطع أرزاقهم قالوا‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ فهل قصر بأحد من رؤسائكم وعزل أحدًا من قوادكم قالوا‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ فما بالكم خذلتموه وأعنتم عدوه على أسره وايم الله ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف انهضوا إلى خليفتكم فقاتلوا عنه من أراد خلعه‏.‏

فنهضوا وتبعهمأهل الأرباض فقاتلوا الحسين قتالًا شديدا فأسر الحسين بن علي ودخل أسد الحربي على الأمين فكسر قيوده وأقعده في مجلس الخلافة‏.‏

ورأى الأمين أقوامًا ليس عليهم لباس الجند وأمرهم بأخذ السلاح فانتعبته الغوغاء ونهبوا غيره وحمل إليه الحسين أسيرا فلامه فأعتذر له الحسين فأطلقه وأمره بجمع الجند ومحاربة أصحاب المأمون وخلع عليه وولاه ما وراء بابه وأمره بالمسير إلى حلوان فوقفالحسين بباب الجسر والناس يهنئونه فلما خف عنه الناس قطع الجسر وهرب فنادى الأمين في الجند يطلبه فركبوا كلهم فأدركوه بمسجد كوثر على فرسخ من بغداد فقاتلهم فعثر به فرسه فسقط عنه فقتل وأخذوا رأسه‏.‏

وقيل إن الأمين كان استوزره وسلم إليه خاتمه وجدد الجند البيعة للامين بعد قتل الحسين بيوم وكان قتله خامس عشر رجب فلما قتل الحسين بن علي هرب الفضل بن الربيع واختفى‏.‏

  ذكر ما فعله طاهر بالاهواز

لما نزل طاهر بشلاشان وجه الحسين بن عمر الرستمي إلى الأهواز وأمره بالحذر فلما توجه

أتت طاهرًا عيونه فأخبروه أن محمد بن يزيدابن حاتم المهلبي وكان عاملًا للأمين على الأهواز قد توجه في جمع عظيم يريد جند يسابور ليحمي الأهواز من أصحاب طاهر فدعا طاهر عدة من أصحابه منهم‏:‏ محمد بن طالوت ومحمد بن العلاء والعباس بن بخار أخذاه وغيرهم وأمرهم أن يجدوا السير حتى يتصل أولهم بآخر أصحاب الرستمي فإن احتاج إلى مدد أمدوه‏.‏

فساروا حتى شارفوا الأهواز ولم يلقوا أحدًا‏.‏

وبلغ خبرهم محمد بن يزيد فسار حتى نزل عسكر مكرم وصير العمران والماء وراء ظهره وتخوف طاهر أن يعجل إلى أصحابه فأمدهم بقريش بن شبل وتوجه هوبنفسه حتى كان قريبًا منهم وسير الحسين بن علي المأموني إلى قريش والرستمي فسارت تلك العساكر حتى أشرفوا على محمد بن يزيد بعسكر مكرم فاستشار أصحابه في المطاولة والمناجزة فأشاروا عليه بالرجوع إلى لاأهواز والتحصن بها وأن يستدعي الجند من البصرة وقومه الأزد ففعل ذلك فسير طاهر وراءه قريش بن شبل وأمره بمبادرته قبل أن يتحصن بالأهواز فسبقه محمد بن يزيد ووصل بعده بيوم قريش فاقتتلوا قتالًا شديدا فالتفت محمد إلى من معه من مواليه وكان أصحابه قد رجعوا عنه فقال لمواليه‏:‏ ما رأيكم إني أرى من معي قد انهزم ولست آمن خذلانهم ولا أرجورجعتهم وقد عزمت على النزول والقتال بنفسي حتى يقضي الله بما أحب فمن أراد الانصراف فلينصرف فوالله لئن فقالوا‏:‏ والله ما أنصفناك إذاص أن تكون قد أعتقتنا من الرق ورفعتنا من الضعة وأغنيتنا بعد القلة ثم نخذلك على هذه الحال فلعن الله الدنيا والعيش بعدك‏!‏ ثم نزلوا فعرقبوا دوابهم وحملوا على أصحاب قريش حملة منكرة فاكثروا فيهم القتل وقتل محمد بن يزيد المهلبي واستولى طاهر على الأهواز وأعمالها واستعمل العمال على اليمامة والبحرين وعمان وقال بعض المهالبة وجرح في تلك الوقعة عدة جراحات وقطعت يده‏:‏ فلما لمت نفسي غير أني لم أطق حراكا وأني كنت بالضرب مثخنًا ولوسلمت كفاي قاتلت دونه وضاربت عنه الطاهري الملعنا فتىً لا يرى أن يخذل السيف في الوغى إذا ادرع الهيجاء في النقع واكتنى ولما دخل ابن أبي عيينة المهلبي على طاهر ومدحه فحين انتهى إلى قوله‏:‏ ما ساء ظني إلا بواحدة في الصدر محصورة عن الكلم تبسم طاهر ثم قال‏:‏ أما والله ساءني من ذلك ما ساءك وأمني ما ألمك ولقد كنت كارهًا لما كان غير أن الحتف واقع والمنايا نازلة ولا بد من قطع الأواصر والشكر للأقارب في تأكيد الخلافة والقيام بحق الطاعة فظن من حضر أنه أراد محمد بن يزيد بن حاتم‏.‏

ثم سار طاهر من الأهواز إلى واسط وبها السندي بن يحيى الحرشي والهيثم بن شعبة خليفة خزيمة بن خازم فجعل طاهر كلما تقدم نحوهم تقوضت المسالح والعمال بين يديه حتى أتى واسطًا فهرب السندي والهيثم بن شعبة عنها واستولى طاهر على واسط ووجه قائدًا من قواده إلى الكوفة عليها العباس بن موسى الهادي فلما بلغه الخبر خلع الأمين وبايع المأمون وكتب بذلك إلى طاهر‏.‏

ونزلت خيل طاهر فم النيل وغلب على ما بين واسط والكوفة وكتب المنصور بن المهدي وكان عاملًا لأمين على البصرة إلى طاهر ببيعته وطاعته وأتته بيعة المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل للمأمون وخلع الأمين وكان هذا جميعه في رجب من هذه السنة فأقرهم طاهر على أعمالهم وولى داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي الهاشمي مكة والمدينة واستعمل يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري البجلي على اليمن ووجه الحارث بن هشام وداود بن موسى إلى قصر ابن هبيرة وأقام طاهر بجرجرايا‏.‏

فلما بلغ الأمين خبر عامله بالكوفة وخلعه والبيعة للمأمون وجه محمد بن سليمان القائد ومحمد بن حماد البربري وأمرهما أن يبيتا الحارث بن هشام وداود بالقصر فبلغ الحارث الخير فركب هووداود فعبرا في مخاضة في سوراء إليهم فاوقعا بهم وقعة شديدة فاقتتلوا قتالًا شديدًا

ووجه الأمين أيضًا الفضل بن موسى بن عيسى الهاشمي عاملًا على الكوفة في خيل فبلغ طاهرًا الخبر فوجه محمد بن العلاء في جيش إلى طريقه فلقي الفضل بقرية الأعراب فبعث إليه الفضل‏:‏ إني سامع مطيع وإمنا كان مخرجي كيدًا مني لمحمد الامين فقال له ابن العلاء‏:‏ لست أعرف ما تقول فإن أردت طاهرًا فارجع وراءك فهوأسهل الطريق فرجع الفضل فقال محمد بن العلاء‏:‏ كونوا على حذر فلا آمن مكره‏.‏

ثم إن الفضل رجع إلى ابن العلاء وهويظن أنه على غير أهبة فرآه متيقظًا حذرا فاقتتلوا قتالًا شديدًا كأشد ما يكون من القتال فانهزم الفضل وأصحابه‏.‏

  ذكر استيلاء طاهر على المدائن ونزوله بصرصر

ثم إن طاهرًا سار إلى المدائن وبها جيش كثير للأمين عليهم البرمكي قد تحصن بهأن والمدد ياتيه كل يوم والخلع والصلات فلما قرب طاهر منه وجه قريش بن شبل والحسين بن علي المأموني فقي مقدمته فلما سمع أصحاب البرمكي طبول طاهر أسرجوا وركبوأن وأخذ البرمكي في التعبية فكان كلما سوى صفًا انتقض واضطرب وانضم أولهم إلى آخرهم فقال‏:‏ اللهم إنا نعوذ بك في الخذلان‏!‏ ثم قال لصاحب ساقته‏:‏ خل سبيل الناس فلا خير عندهم فركب بعضهم بعضًا نحوبغداد فنزل طاهر بالمدائن واستولى على تلك النواحي ثم سار إلى صرصر فعقد بها جسرًا ونزلها‏.‏

  ذكر البيعة للمأمون بمكة والمدينة

وفي هذه السنة خلع داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي الأمين وهوعامله على مكة والمدينة وبايع للمأمون‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما بلغه ما كان من الأمين والمأمون وما فعل طاهر وكان الأمين قد كتب إلى داود بن عيسى يامره بخلع المأمون وبعث أخذ الكتابين من الكعبة كما تقدم فلما فعل ذلك جمع داود وجوه الناس ومن كان شهد من الكتابين وكان داود أحدهم فقال لهم‏:‏ قد علمتم ما أخذ الرشيد علينا وعليكم من العهد والميثاق عند بيت الله الحرام لا بنيه لنكونن مع المظلوم منهما على الظالم ومع المغدور به على الغادر وقد راينا ورأيتم أن محمدًا قد بدأ بالظلم والبغي والغدر والنكث على أخويه المأمون والمؤتمن وخلعهما عاصيًا لله وبايع لابنه طفل صغير رضيع لم يفطم وأخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظالما فقد رأيت خلعه والبيعة للمأمون

فأجابوه إلى ذلك فنادى في شعاب مكة فاجتمع الناس فخطبهم بين الركن والمقام وخلع محمدا وبايع للمأمون وكتب إلى ابنه سليمان وهوعامله على المدينة يأمره أن يفعل مثل ما فعل فخلع سليمان الأمين وبايع للمأمون‏.‏

فلما أتاه الخبر بذلك سار من مكة على طريق البصرة ثم إلى فارس ثم إلى كرمان حتى صار إلى المأمون بمرو فأخبره بذلك فسر المأمون بذلك سرورًا شديدا وتيمن ببركة مكة والمدينة‏.‏

وكانت البيعة بهما في رجب سة ست وتسعين ومائة واستعمل داود على مكة والمدينة وز أضاف إليه ولاية عك وأعطاه خمسمائة ألف درهم معونة وسير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى وجعله على الموسم فسارا حتى أتيا طاهرًا ببغداد فأكرمهما وقربهمأن ووجه معهما يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري البجلي عاملًا على اليمن وبعث معه خيلًا كثيفة فلما قدم اليمن دعا أهلها إلى خلع الأمين والبيعة للمأمون ووعدهم العدل والإحسان وأخبرهم بسيرة المأمون فأجابوه إلى ما طلب وخلعوا محمدًا وبايعوه للمأمون وكتب بذلك إلى طاهر وإلى المأمون وسار فيهم أحسن سيرة وأظهر العدل‏.‏

وفي هذه السنة عقد محمد الأمين في رجب وشعبان نحوًا من أبعمائة لواء لقواد شتى وأمر عليهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك وأمرهم بالمسير إلى هرثمة بن أعين فساروا إليه فالتقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموا وأسر علي بن محمد بن عيسى فسيره هرثمة إلى المأمون ورحل هرثمة فنزل النهروان‏.‏

  ذكر وثوب الجند بطاهر والأمين ونزوله ببغداد

وأقام طاهر بصرصر مشمرًا في محاربة الأمين وكان لا يأتيه جيش إلا هزمه وبذل الأمين الأموال فاشتد ذلك على أصحاب طاهر فسار إليه منهم نحوخمسة آلاف فسر بهم الأمين وعدهم ومناهم وفرق فيهم مالًا عظيما وعلف لحاهم بالغالية فسموا قواد الغالية وقود جماعة من الحربية ووجههم إلى دسكرة الملك والنهروان فلم يكن بينهم قتال كثير وندب جماعة من قواد بغداد وجههم إلى الياسرية والكوثرية وفرق الجواسيس في اصحاب طاهر ودس إلى رؤساء الجند فاطعمهم ورغبهم فشغبوا على طاهر واستأمن كثير منهم إلى الأمين فانضموا إلى عسكره وساروا حتى أتوا صرصرا فعبأ طاهر أصحابه كراديس وسار فيهم يمنيهم ويحرضهم ويعدهم النصر ثم تقدم فاقتتلوا مليًا من النهار ثم انهزم أصحاب الأمين وغمن عسكر طاهر ما كان لهم من السلاح والدواب وغير ذلك‏.‏

وبلغ ذلك لاأمين فأخرج الأموال وفرقها وجمع أهل الأرباض وقود منهم جماعة وفرق فيهم الاموال وأعطى كل قائد منهم قارورة غالية ولم يفرق في أجناد القواد وأصحابهم شيئًا‏.‏

فبلغ ذلك طاهرا فراسلهم ووعدهم واستمالهم وأغرى أصاغرهم بأكابرهم فشغبوا على الأمين في ذي الحجة فصعب الأمر عليه فأشار عليه أصحابه باستمالتهم والإحسان إليهم فلم يفعل وأمر بقتالهم جماعة من المستأمنة والمحدثين فقاتلوهم وراسلهم طاهر وراسلوه وأخذ رهائنهم على بذل الطاعة وأعطاهم الاموال‏.‏

ثم تقدم فصار إلى موضع البستان الذي على باب الأنبار في ذي الحجة فنزل بقواده وأصحابه ونزل من استأمن إليه من جند الأمين في البستان والأرباص وأضعف للقواد وأبنائهم والخواص العطاء ونقب أهل السجون السجون وخرجوا منها وفتن الناس وساءت حالهم وثب الشطار على أهل الصلاح ولم يتغير بعسكر طاهر حال لتفقده حالهم وأخذه على أيدي السفهاء وغادى القتال ورواحه حتى تواكل الفريقان وخربت الديار‏.‏

وحج بالناس هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بن موسى ودعا للمأمون بالخلافة

  ذكر الفتنة بإفريقية مع أهل طرابلس

في هذه السنة ثار أبوعصام ومن وافقه على إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية فحاربهم إبراهيم فظفر بهم‏.‏

وفيها استعمل ابن الأغلب ابنه عبدالله على طرابلس الغرب فلما قدم إليها ثار عليه الجند فحضروه في داره ثم اصطلحوا على أن يخرج عنهم فخرج عنهم فلم يبعد عن البلد حتى اجتمع إليه كثير من الناس ووضع العطاء فأتاه البربر من كل ناحية وكان يعطي الفارس كل يوم أربعة دراهم ويعطي الراجل في اليوم درهمين فاجتمع له عدد كثير فزحف بهم إلى طرابلس فخرج إليه الجند فاقتتلوا فانهزم جند طرابلس ودخل عبد الله المدينة وأمن الناس وأقام بها ثم عوزله أبوه واستعمل بعده سفيان ابن المضاء فثارت هوارة بطرابلس فخرج الجند إليهم والتقوا واقتتلوا فهزم الجند إلى المدينة فتبعهم هوارة فخرج الجند هاربين إلى لاأمير إبراهيم ابن الأغلب ودخلوا المدينة فهدموا أسوارها‏.‏

وبلغ ذلك إببراهيم ابن الأغلب فسير إليها ابنه أبا العباس عبد الله في ثلاثة عشر ألف فارس فاقتتل هووالبربر فانهزم البربر وقتل كثير منهم ودخل طرابلس وبنى سورها‏.‏

وبلغ خبر هزيمة البربر إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم وجمع البربر وحرضهم وأقبل بهم إلى طرابلس وهم جمع عظيم غضبًا للبربر ونصرة لهم فنزلوا على طرابلس وحصروها‏.‏

فسد أبوالعباس عبد الله بن إبراهيم باب زناتة وكان يقاتل من باب هوارة ولم يزل كذلك إلى أن توفي أبوه إبراهيم بن الأغلب وعهد بالإمارة لولده عبد الله فأخذ أخوه زيادة الله بن إبراهيم له العهود على الجند سير الكتاب إلى أخيه عبد الله يخبره بموت أبيه وبالإمارة له فأخذ البربر الرسول والكتاب ودفعوه إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فأمر بأن ينادي عبد الله بن إبراهيم بموت أبيه فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله وما كان خارجًا عن ذلك يكون لعبد الوهاب وسار عبد الله إلى القيروان فلقيه الناس وتسلم الأمر وكانت أيامه أيام سكون ودعة‏.‏

 حوادث سنة سبع وتسعين ومائة

  ذكر حصار بغداد

في هذه السنة حاصر طاهر وهرثمة وزهير بن المسيب الأمين محمدًا ببغداد فنزل زهير بن المسيب الضبي برقة كلواذى ونصب المجانيق والعرادات وحفر الخنادق وكان يخرج في الإيام

عند اشتغال الجند بحرب طاهر فيرمي بالعرادات ويعشر أموال التجار فشكا الناس منه إلى طاهر فنزل هرثمة نهر بين وعمل عليه خندقًا وسورا ونزل عبيد الله بن الوضاح بالشماسية ونزل طاهر البستان الذي بباب الأنبار‏.‏

فلما نزله شق ذلك على الأمين وتفرق ما كان بيده من الأموال فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة وضرب آنية الذهب والفضة ليفرقها في أصحابه وأمر بإحراق الحربية فرميت بالنفط والنيران وقتل بها خلق كثير‏.‏

واستأمن إلى طاهر سعيد بن مالك بن قادم فولاه الأسواق وشاطئ دجلة وما اتصل به وأمره بحفر الخنادق وبناء الحيطان في كل ما غلب عليه من الدروب وأمده بالاموال والرجال فكثر الخراب ببغداد والهدم فدرست المنازل ووكل الأمين عليًا افراهمرد بقصر صالح وقصر سليمان بن المنصور إلى دجلة فألح في إحراق الدور والدروب والرمي بالمجانيق وفعل طاهر مثل ذلك فأرسل إلى أهل الأرباض من طريق الأنبار وباب الكوفة وما يليها فكلما أجابه أهل ناحية خندق عليهم ومن أبى إجابته قاتله وأحرق منزله ووحشت بغداد وهربت فقال حسين الخليع‏:‏ أتسرع الرحلة إغذاذًا عن جانبي بغداد أم ماذا وانتقضت بغداد عمرانها عن رأي لا ذاك ولا هذا هدمًا وحرقًا قد أباد أهلها عقوبة لاذت بمن لاذا ما احسن الحالات إن لم تعد بغداد في القلة بغدادا وسمى طاهر الأرباض التي خالفه أهلها ومدينة المنصور وأسواق الكرخ والخلد دار النكث وقبض ضياع من لم يخرج إليه من بني هاشم والقواد وغيرهم وأخذ اموالهم فذلوا وانكسروا وذل الأجناد وضعفوا عن القتال إلا باعة الطريق والعراة وأهل السجون والأوباش والطرارين وأهل السوق فكانوا ينهبون أموال الناس‏.‏

وكان طاهر لا يفتري في قتالهم فاستأمن إليه على أفراهمرد الموكل بقصر صالح فأمنه وسير إليه جندًا كثيفا فسلم إليه ما كان بيده من تلك الناحية في جمادى الآخرة واستأمن إليه محمد بن عيسى صاحب شرطة الأمين وكان مجدًا في نصرة الأمين فلما استأمن هذان إلى طاهر أشفى الأمين على الهلاك وأقبلت الغواة من العيارين وباعة الطريق والأجناد فاقتتلوا داخل قصر صالح قتالًا عظيما قتل فيه من أصحاب طاهر جماعة كثيرة ومن قواده جماعة ولم تكن وقعة قبلها ولا بعدها اشد على طاهر منها‏.‏

ثمخ إن طاهرًا كاتب القواد الهاشميين وغيرهم بعد أن أخذ ضياعهم ودعاهم إلى الأمان والبيعة للمأمون فأجابه جماعة منهم‏:‏ عبد الله بن حميد قحطبة وإخوته وولد الحسن بن قحطبة ويحيى بن علي بن ماهان ومحمد بن أبي العباس الطائي وكاتبه غيرهم وصارت قلوبهم معه‏.‏

وأقبل الأمين بعد وقعة صالح على الأكل والشرب ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى الهرش فكان من معهما من الغوغاء والفساق يسلبون من قدروا عليه وكان منهم ما لم يبلغنا مثله‏.‏

فلما طال ذلك بالناس خرج من بغداد من كانت به قوة وكان أحدهم إذا خرج أمن على ماله ونفسه وكان مثلهم كما قال الله‏:‏ ‏{‏فضرب بهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 13‏]‏‏.‏ وخرج عنهم قوم بعلة الحج ففي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ أظهروا الحج وما ينوونه بل من الهرش يريدون الهرب كم أناس أصبحوا في غبطة وكل الهرش عليهم بالعطب وقال بعض فتيان بغداد‏:‏ بكيت دمًا على بغداد لما فقدت غضارة العيش الأنيق تبدلنا همومًا من سرور ومن سعة تبدلنا بضيق فقوم أحرقوا بالنار قسرًا ونائحة تنوح على غريق وصائحة تنادي‏:‏ واصباحًا وباكية لفقدان الشقيق وحوراء المدامع ذات دل مضمخة المجاسد بالخلوق تفر من الحريق إلى انتهاب ووالدها يفر إلى الحريق وسالبة الغزالة مقلتيها مضاحكها كلألاء البروق حيارى هكذا ومفكرات عليهن القلائد في الحلوق ينادين الشفيق ولا شفيق وقد فقد الشفيق من الشفيق ومغترب قريب الدار ملقى بلا رأس بقارعة الطريق توسط من قتالهم جميعًا فما يدرون من أي الفريق فما ولد يقيم على أبيه وقد فر الصديق عن الصديق ومهما أنس من شيء تولى فإني ذاكر دار الرقيق وقال الجرمي قصيدة طويلة نحومائة وخمسين بيتًا أتى فيها على جميع الحوادث ببغداد في هذه القتال فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم فقال لأصحابه‏:‏ ما يقاتلنا إلا من نرى استهانة بأمرهم واحتقارًا لهم فقيل له‏:‏ نعم‏!‏ هؤلاء هم الآفة فقال لهم‏:‏ أف لكم حين تنهزمون من هؤلاء وأنتم في السلاح والعدة والقوة وفيكم الشجاعة وما عسى يبلغ كيد هؤلاء ولا سلاح معهم ولا جنة تقيهم‏!‏ وتقدم إلى بعضهم وفي يديه بارية مقيرة وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة فجعل الخراساني كلما رمي بسهم استتر منه العيار فوقع في باريته أوقريبًا منها فياخذه ويتركه معه وصاح‏:‏ دانق أي ثمن النشابة دانق قد أحرزه فلم يزالا كذلك حتى فنيت سهام الخراساني ثم حمل عليه العيار ورمة بحجر من مخلاته في مقلاع فما أخطأ عينه ثم آخر فكاد يصرعه فانهزم وهويقول‏:‏ ليس هؤلاء بناس‏.‏

فلما سمع طاهر خبره ضحك منه فلما طال ذلك على طاهر وقتل من أصحابه في قصر صالح من قتل أمر بالهدم والإحراق فهدم دور من خالفه من بين دجلة ودار الرقيق وباب الشام وباب الكوفة إلى الصراة وربض حميد ونهر كرخابا فكان أصحابه إذا هدموا دارًا أخذ أصحاب الأمين أبوابها وسقوفها فيكونون أشد على أهلها فقال شاعر منهم‏:‏ لنا كل يوم ثلمة لا نسدها يزيدون فيما يطلبون وننقص فإن حرصوا يومًا على الشر جهدهم فغوغاؤنا منهم على الشر أحرص فقد ضيقوا من أرضنا كل واسع وصار لهم أهل بها وتعرص يثيرون بالطبل القنيص فإن بدا لهم وجه صيد من قريب تقنصوا لقد أفسدوا شرق البلاد وغربها علينا فما ندري إلى أين نشخص إذا حضروا قالوا بما يعرفونه وإن لم يروا شيئًا قبيحًا تخرصوا وما قتل الأبطال مثل مجرب رسول المنايا ليلة يتلصص فيأبيات غيرها فلما رأى طاهر أن هذا جميعه لا يحفلون به أمر بمنع التجار عنهم ومنع من حمل الأقوات وغيرها وشدد في ذلك وصرف السفن التي يحمل فيها إلى الفرات فاشتد ذلك عليهم وغلت الأسعار وصاروا في اشد حصار فأمر الأمين ببيع الاموال وأخذها ووكل بها بعض أصحابه فكان يهجم على الناس في منازلهم ليلاص ونهارا فاشتد ذلك على الناس وأخذوا بالتهمة والظنة‏.‏

ثم كان بينهم وقعة بدرب الحجارة قتل فيها من اصحاب طاهر خلق كثير ووقعة بالشماسية خرج فيها حاتم بن الصقر في العيارين وغيرهم إلى عبيد الله بن الوضاح فاوقعوا به وهولا يعلم فانهزم عنهم وغعلبوه على الشماسية فأتاه هرثمة يعينه فأسره بعض أصحاب الأمين وهولا

فلما بلغ طاهرًا ما صنعوا عقد جسرًا فوقالشماسية وعبر أصحابه إليهم فقاتلوا أشد قتال حتى ردوا أصحاب الأمين وأعاد أصحاب عبيد الله بن الوضاح إلى مراكزهم وأحرق منازل الأمين بالخيزرانية وكانت النفقة عليها بلغت عشرين ألف ألف درهم وقتل من العيارين كثير فضعف أمر الأمين فأيقن بالهلاك وهرب منه عبد الله بن خازم بن خزيمة إلى المدائن خوفًا من الأمين لأنه اتهمه وتحامل عليه السفلة والغوغاء فأقام بها وقيل بل كاتبه طاهر وحذره قبض ضياعه وأمواله‏.‏

ثم إن الهرش خرج ومعه لفيفة وجماعة إلى جزيرة العباس وكانت ناحية لم يقاتل فيها فخرج إليه وبعض أصحاب طاهر فقاتلوه فقوي عليهم فأمدهم طاهر بجند آخر فأوقعوا بالهرش وأصحابه وقعة شديدة فقرق منهم بشر كثير‏.‏

وضجر الأمين وخاف حتى قال يومًا‏:‏ وددت أن الله قتل الفريقين جميعًا فأراح الناس منهم فما منهم إلا عدولي أما هؤلاء فيريدون مالي وأما أولئك فيريدون نفسي وضعف أمره وانتشر جنده وأيقن بظفر طاهر به‏.‏